الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***
(قوله: الوتر واجب) وهذا آخر أقوال أبي حنيفة وهو الصحيح كذا في المحيط والأصح كما في الخانية وهو الظاهر من مذهبه كذا في المبسوط وروي عنه أنه فرض وعنه أنه سنة ووفق المشايخ بينهما بأنه فرض عملا واجب اعتقادا سنة ثبوتا ودليلا وأما عندهما فسنة عملا واعتقادا ودليلا لكن سنة مؤكدة آكد من سائر السنن المؤقتة كما في البدائع لظهور أثر السنن فيه حيث لا يؤذن له ولم يثبت عندهما دليل الوجوب فنفياه وأما استدلاله في الهداية لهما بأنه لا يكفر جاحده لا يفيد إذ إثبات اللازم لا يستلزم إثبات الملزوم المعين إلا إذا ساواه وهو هنا أعم فإن عدم الإكفار بالجحد لازم الوجوب كما هو لازم السنة والمدعي الوجوب لا الفرض وأما الإمام فثبت عنده دليل الوجوب وهو الحديث وأحسن ما يعين منه ما رواه أبو داود مرفوعا: «الوتر حق فمن لم يوتر فليس مني الوتر حق فمن لم يوتر فليس مني الوتر حق فمن لم يوتر فليس مني» رواه الحاكم وصححه وما رواه مسلم مرفوعا: «أوتروا قبل أن تصبحوا» والأمر للوجوب وأما ما في الصحيحين من «أنه عليه السلام أوتر على بعيره» فواقعة حال لا عموم لها فيجوز كونه كان للعذر والاتفاق على أن الفرض يصلى على الدابة لعذر الطين والمرض ونحوه أو أنه كان قبل وجوبه لأن وجوبه لم يقارن وجوب الخمس بل متأخر وقد روي أنه «عليه السلام كان ينزل للوتر «وأما حديث الأعرابي حين قال له هل علي غيرها أي الصلوات الخمس فقال له النبي صلى الله عليه وسلم لا إلا أن تطوع» فلا يدل على عدم وجوب الوتر كما زعمه النووي في شرح مسلم لأنه كان في أول الإسلام ثم وجب الوتر بعده بدليل أنه سأله عن العبادة المالية فأخبره بالزكاة فقال هل علي غيرها فقال لا كما ذكر في الصلاة مع أن صدقة الفطر فرض عندهم بدليله فما هو جوابهم عنها فهو جوابنا عنه ولا يلزم من القول بوجوبه الزيادة على الفرائض الخمس القطعية لأنه ليس بفرض قطعي وذكر في البدائع حكاية هي أن يوسف بن خالد السمتي كان من أعيان فقهاء البصرة فسأل أبا حنيفة عنه فقال: إنه واجب فقال له كفرت يا أبا حنيفة ظنا منه أنه يقول أنه فريضة فقال أبو حنيفة أيهولني إكفارك إياي وأنا أعرف الفرق بين الفرض والواجب كفرق ما بين السماء والأرض ثم بين له الفرق بينهما فاعتذر إليه وجلس عنده للتعلم ا هـ. وفي المحيط لا يجوز الوتر قاعدا مع القدرة على القيام ولا على راحلته من غير عذر لأن عنده الوتر واجب وأداء الواجبات والفرائض على الراحلة من غير عذر لا يجوز وعندهما وإن كان سنة لكن صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أنه كان يتنفل على راحلته من غير عذر في الليل وإذا بلغ الوتر نزل فيوتر على الأرض» ا هـ. فأفاد أنه لا يجوز قاعدا وراكبا من غير عذر باتفاق أبي حنيفة وصاحبيه وصرح في الهداية بأنه يجب قضاؤه إذا فاته بالإجماع وصححه في التجنيس وعلل له في المحيط بقوله أما عنده فلأنه واجب وأما عندهما فلقوله عليه السلام: «من نام عن وتر أو نسيه فليصله إذا ذكره» ا هـ. وصرح في الكافي بأن وجوب قضائه ظاهر الرواية عنهما وروي عنهما عدمه وسيأتي أنه لا يصلى خلف النفل اتفاقا فظهر بهذا أنه لا فرق بين قوله بوجوبه وبين قولهما بسنيته من جهة الأحكام فإن السنة المؤكدة بمنزلة الواجب إلا في فساد الصبح بتذكره وفي قضائه بعد طلوع الفجر قبل طلوع الشمس قال في التجنيس عند أبي حنيفة يقضيه بعد طلوع الفجر قبل طلوع الشمس وبعد صلاة العصر لأنه واجب عنده فيجوز قضاؤه فيه كقضاء سائر الفرائض وعندهما لا لأنه سنة عندهما ا هـ. لكن تعقب صاحب الهداية في فتح القدير بأنه سنة عندهما فوجوب القضاء محل النزاع وقد علمت دفعه بما في المحيط وفي الظهيرية والولوالجية والتجنيس وغيرهما أهل قرية اجتمعوا على ترك الوتر أدبهم الإمام وحبسهم فإن لم يمتنعوا قاتلهم وإن امتنعوا عن أداء السنن فجواب أئمة بخارى بأن الإمام يقاتلهم كما يقاتلهم على ترك الفرائض لما روي عن عبد الله بن المبارك أنه قال لو أن أهل بلدة أنكروا سنة السواك لقاتلتهم كما نقاتل المرتدين ا هـ. وفي العمدة اجتمع قوم على ترك الأذان يؤدبهم الإمام وعلى ترك السنن يقاتلهم زاد في الخلاصة بأن هذا إذا تركها جفاء لكن رآها حقا فإن لم يرها حقا يكفر وذكر في التحقيق لصاحب الكشف أن الواجب نوعان واجب في قوة الفرض في العمل كالوتر عند أبي حنيفة حتى منع تذكره صحة الفجر كتذكر العشاء وواجب دون الفرض في العمل فوق السنة كتعيين الفاتحة حتى وجب سجود السهو بتركه ولكن لا تفسد الصلاة ا هـ. وفي البدائع أن وجوبه لا يختص بالبعض دون البعض بل يعم الناس أجمع من الحر والعبد والذكر والأنثى إن كان أهلا للوجوب لعموم الدلائل. (قوله: وهو ثلاث ركعات بتسليمة) أي الوتر لما رواه الحاكم وصححه وقال على شرطهما عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث لا يسلم إلا في آخرهن» قيل للحسن أن ابن عمر كان يسلم في الركعتين من الوتر فقال كان عمر أفقه منه وكان ينهض في الثانية بالتكبير ا هـ. ونقله الطحاوي عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما {قوله صلى الله عليه وسلم صلاة الليل مثنى مثنى وإذا خشي الصبح صلى واحدة فأوترت له ما صلى» فليس فيه دلالة على أن الوتر واحدة بتحريمة مستأنفة ليحتاج إلى الاشتغال بجوابه إذ يحتمل كلا من ذلك ومن كونه إذا خشي الصبح صلى واحدة متصلة ومع الاحتمال لا يقاوم الصرائح الواردة وقد روى الإمام أبو حنيفة بسنده: «أنه عليه السلام كان يقرأ في الأولى ب {سبح اسم ربك الأعلى} وفي الثانية {قل يا أيها الكافرون} وفي الثالثة {قل هو الله أحد}» وما وقع في السنن وغيرها من زيادة المعوذتين أنكرها الإمام أحمد وابن معين ولم يخترها أكثر أهل العلم كما ذكره الترمذي كذا في شرح منية المصلي وصحح الشارح الزيلعي أنه لا يجوز اقتداء الحنفي بمن يسلم من الركعتين في الوتر وجوزه أبو بكر الرازي ويصلي معه بقية الوتر لأن إمامه لم يخرج بسلامه عنده وهو مجتهد فيه كما لو اقتدى بإمام قد رعف واشتراط المشايخ لصحة اقتداء الحنفي في الوتر بالشافعي أن لا يفصله على الصحيح مفيد لصحته إذا لم يفصله اتفاقا ويخالفه ما ذكر في الإرشاد من أنه لا يجوز الاقتداء في الوتر بالشافعي بإجماع أصحابنا لأنه اقتداء المفترض بالمتنفل فإنه يفيد عدم الصحة فصل أو وصل فلذا قال بعده والأول أصح مشيرا إلى أن عدم الصحة إنما هو عند الفصل لا مطلقا معللا بأن اعتقاد الوجوب ليس بواجب على الحنفي ا هـ. فمراده من الأول هو قوله في شروط الاقتداء بالشافعي ولا يقطع وتره بالسلام هو الصحيح ويشهد للشارح ما في السراج الوهاج أن الاقتداء به في العيدين صحيح ولم يرد فيه خلاف مع أنه سنة عند الشافعي وواجب عندنا وما نقله أصحاب الفتاوى عن ابن الفضل أن اقتداء الحنفي في الوتر بمن يرى أنه سنة كاليوسفي صحيح لأن كلا يحتاج إلى نية الوتر فلم تختلف نيتهما فأهدر اختلاف الاعتقاد في صفة الصلاة واعتبر مجرد اتحاد النية واستشكله في فتح القدير بما ذكره في التجنيس وغيره من أن الفرض لا يتأدى بنية النفل ويجوز عكسه فعلى هذا ينبغي أن لا يجوز وتر الحنفي اقتداء بوتر الشافعي بناء على أنه لم يصح شروعه في الوتر لأنه بنيته إياه إنما نوى النفل الذي هو الوتر فلا يتأدى الواجب بنية النفل وحينئذ فالاقتداء به فيه بناء على المعدوم في زعم المقتدي نعم يمكن أن يقال لو لم يخطر بخاطره عند النية صفة من السنة أو غيرها بل مجرد الوتر ينتفي المانع فيجوز لكن إطلاق مسألة التجنيس يقتضي أنه لا يجوز وإن لم يخطر بخاطره نفلية وفرضية بعد أن كان المتقرر في اعتقاده نفليته وهو غير بعيد للمتأمل ا هـ. وحاصله ترجيح ما في الإرشاد وتضعيف تصحيح الزيلعي وما في الفتاوى عن ابن الفضل وليس فيما ذكره دليل عليه لأن ما في التجنيس وغيره إنما هو في الفرض القطعي والوتر ليس بفرض قطعي إنما هو واجب ظني ثبت بالسنة فلا يلزم اعتقاد وجوبه للاختلاف فيه فلم يلزم في صحته تعيين وجوبه بل تعيين كونه وترا بل صرح في المحيط والبدائع بأنه ينوي صلاة الوتر والعيدين فقط وصرح بعض المشايخ كما في شرح منية المصلي بأنه لا ينوي في الوتر أنه واجب للاختلاف في وجوبه فظهر بهذا أن المذهب الصحيح صحة الاقتداء بالشافعي في الوتر إن لم يسلم على رأس الركعتين وعدمها إن سلم والله الموفق للصواب ثم اعلم أن قوله في فتح القدير لكن إطلاق مسألة التجنيس يقتضي إلى آخره غفلة عما ذكره صاحب التجنيس في باب الوتر منه ولفظه إذا اقتدى في الوتر بمن يراه سنة وهو يراه واجبا ينظر إن كان نوى الوتر وهو يراه سنة أو تطوعا جاز الاقتداء بمنزلة من صلى الظهر خلف آخر وهو يرى أن الركوع سنة أو تطوع وإن كان افتتح الوتر بنية التطوع أو بنية السنية لا يصح الاقتداء لأنه يصير اقتداء المفترض بالمتنفل كذا ذكره الإمام الرستغفني هذا والذي ينبغي أن يفهم من قولهم أنه لا ينوي أنه واجب أنه لا يلزمه تعيين الوجوب لا أن المراد منعه من أن ينوي وجوبه لأنه لا يخلو إما أن يكون حنفيا أو غيره فإن كان حنفيا فينبغي أنه ينويه ليطابق اعتقاده وإن كان غيره فلا تضره تلك النية فإن من المعلوم أن انتفاء الوصف لا يوجب انتفاء الأصل فيبقى الأصل وهو صلاة الوتر هنا وقد كان يخرج به عن العهدة. (قوله: وقنت في ثالثته قبل الركوع أبدا) لما أخرجه النسائي عن أبي بن كعب «أنه عليه الصلاة والسلام كان يقنت قبل الركوع» وما في حديث أنس من: «أنه عليه السلام قنت بعد الركوع» فالمراد منه أن ذلك كان شهرا منه فقط بدليل ما في الصحيح عن عاصم الأحول سألت أنسا عن القنوت في الصلاة قال نعم قلت أكان قبل الركوع أو بعده قال قبله قلت فإن فلانا أخبرني عنك أنك قلت بعده قال كذب إنما {قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الركوع شهرا» وظاهر الأحاديث يدل على القنوت في جميع السنة وأما ما رواه أبو داود أن عمر رضي الله عنه جمع الناس على أبي بن كعب فكان يصلي بهم عشرين ليلة من الشهر يعني رمضان ولا يقنت بهم إلا في النصف الثاني فإذا كان العشر الأواخر تخلف فصلى في بيته فلا يدل على تخصيصه بالنصف الثاني من رمضان لأن القنوت فيه يحتمل أن يكون طول القيام فإنه يقال عليه كما يقال على الدعاء و ترجح الأول لتخصيص النصف الأخير بزيادة الاجتهاد فليس هو المتنازع فيه والكلام في القنوت في خمسة مواضع في صفته ومحل أدائه ومقداره ودعائه وحكمه إذا فات أما الأول فقد ذكره المصنف في باب صفة الصلاة من الواجبات وهو مذهب أبي حنيفة وعندهما سنة كالوتر ويشهد للوجوب {قوله صلى الله عليه وسلم للحسن حين علمه القنوت اجعل هذا في وترك» والأمر للوجوب لكنه تعقبه في فتح القدير بأنه لم يثبت ومنهم من حاول الاستدلال بالمواظبة المفادة من الأحاديث وهو متوقف على كونها غير مقرونة بالترك مرة لكن مطلق المواظبة أعم من المقرونة به أحيانا وغير المقرونة ولا دلالة للأعم على الأخص وإلا لوجبت بهذه الكلمات عينا أو كانت أولى من غيرها لكن المتقرر عندهم الدعاء المعروف اللهم إنا نستعينك كما سيأتي ا هـ. وأطلقه فشمل الأداء والقضاء فلذا قالوا ومن يقضي الصلوات والأوتار يقنت في الأوتار احتياطا وعلله الولوالجي في فتاويه بأنه إن كان عليه الوتر كان عليه القنوت وإن لم يكن عليه الوتر فالقنوت يكون في التطوع والقنوت في التطوع لا يضر ا هـ. وهو يقتضي أن قضاءه ليس لكونه لم يؤد حقيقة بل احتياطا وليس هو بمستحب قال في مآل الفتاوى ولو لم يفته شيء من الصلوات وأحب أن يقضي جميع الصلوات التي صلاها متداركا لا يستحب له ذلك إلا إذا كان غالب ظنه فساد ما صلى ورد النهي عنه صلى الله عليه وسلم وما حكي عن أبي حنيفة أنه قضى صلاة عمره فإن صح النقل فنقول كان يصلي المغرب والوتر أربع ركعات بثلاث قعدات ا هـ. وفي التجنيس شك في الوتر وهو في حالة القيام أنه في الثانية أم في الثالثة يتم تلك الركعة ويقنت فيها لجواز أنها الثالثة ثم يقعد فيقوم فيضيف إليها ركعة أخرى ويقنت فيها أيضا وهو المختار فرق بين هذا وبين المسبوق بركعتين في الوتر في شهر رمضان إذا قنت مع الإمام في الركعة الأخيرة من صلاة الإمام حيث لا يقنت في الركعة الأخيرة إذا قام إلى القضاء في قولهم جميعا والفرق أن تكرار القنوت في موضعه ليس بمشروع وهاهنا أحدهما في موضعه والآخر ليس في موضعه فجاز فأما المسبوق فهو مأمور بأن يقنت مع الإمام فصار ذلك موضعا له فلو أتى بالثاني كان ذلك تكرارا للقنوت في موضعه ا هـ. وفي المحيط معزيا إلى الأجناس لو شك أنه في الأولى أو في الثانية أو في الثالثة فإنه يقنت في الركعة التي هو فيها ثم يقعد ثم يقوم فيصلي ركعتين بقعدتين ويقنت فيهما احتياطا وفي قول آخر لا يقنت في الكل أصلا لأن القنوت في الركعة الثانية والأولى بدعة وترك السنة أسهل من الإتيان بالبدعة والأول أصح لأن القنوت واجب وما تردد بين الواجب والبدعة يأتي به احتياطا ا هـ. وفي الذخيرة إن قنت في الأولى أو في الثانية ساهيا لم يقنت في الثالثة لأنه لا يتكرر في الصلاة الواحدة ا هـ. وفيه نظر لأنه إذا كان مع الشك في كونه في محله يعيده ليقع في محله كما قدمناه فمع اليقين بكونه في غير محله أولى أن يعيده كما لو قعد بعد الأولى ساهيا لا يمنعه أن يقعد بعد الثانية ولعل ما في الذخيرة مبني على القول الضعيف القائل بأنه لا يقنت في الكل أصلا كما لا يخفى وأما الثاني فقد ذكرناه وأما مقداره فقد ذكر الكرخي أن مقدار القيام في القنوت مقدار سورة {إذا السماء انشقت} وكذا ذكر في الأصل لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أنه كان يقرأ في القنوت اللهم إنا نستعينك، اللهم اهدنا» وكلاهما على مقدار هذه السورة وروي: «أنه عليه السلام كان لا يطول في دعاء القنوت» كذا في البدائع وأما دعاؤه فليس فيه دعاء مؤقت كذا ذكر الكرخي في كتاب الصلاة لأنه روي عن الصحابة أدعية مختلفة في حال القنوت ولأن المؤقت من الدعاء يذهب بالرقة كما روي عن محمد فيبعد عن الإجابة ولأنه لا يؤقت في القراءة لشيء من الصلوات ففي دعاء القنوت أولى وقال بعض مشايخنا المراد من قوله ليس فيه دعاء مؤقت ما سوى اللهم إنا نستعينك لأن الصحابة اتفقوا عليه فالأولى أن يقرأه ولو قرأ غيره جاز ولو قرأ معه غيره كان حسنا والأولى أن يقرأ بعده ما علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي في قنوته «اللهم اهدني فيمن هديت» إلى آخره وقال بعضهم الأفضل في الوتر أن يكون فيه دعاء مؤقت لأن الإمام ربما يكون جاهلا فيأتي بدعاء يشبه كلام الناس فتفسد صلاته وما روي عن محمد من أن التوقيت في الدعاء يذهب برقة القلب محمول على أدعية المناسك دون الصلاة كذا في البدائع و رجح في شرح منية المصلي قول الطائفة الثانية لما ذكروا وتبركا بالمأثور الوارد به الأخبار وتوارثه الخلف عن السلف في سائر الأعصار ا هـ. لكن ذكر الإسبيجابي أن ظاهر الرواية عدم توقيته ثم إن الدعاء المشهور عند أبي حنيفة اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونؤمن بك ونتوكل عليك ونثني عليك الخير كله نشكرك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك بالكفار ملحق لكن في المقدمة الغزنوية إن عذابك الجد ولم يذكره في الحاوي القدسي إلا أنه أسقط الواو من نخلع والظاهر ثبوتهما أما إثبات الجد ففي مراسيل أبي داود وأما إثبات الواو في ونخلع ففي رواية الطحاوي والبيهقي وبه اندفع ما ذكره الشمني في شرح النقاية أنه لا يقول الجد واتفقوا على أنه بكسر الجيم بمعنى الحق واختلفوا في ملحق وصحح الإسبيجابي كسر الحاء بمعنى لاحق بهم وقيل بفتحها ونص الجوهري على أنه صواب وأما نحفد فهو بفتح النون وكسر الفاء وبالدال المهملة من الحفد بمعنى السرعة ويجوز ضم النون يقال حفد بمعنى أسرع وأحفد لغة فيه حكاها ابن مالك في فعل وأفعل وصرح قاضي خان في فتاويه بأنه لو قرأها بالذال المعجمة بطلت صلاته ولعله لأنها كلمة مهملة لا معنى لها ثم اعلم أن المشايخ اختلفوا في حقيقة القنوت الذي هو واجب عنده فنقل في المجتبى عن شرح المؤذني القنوت طول القيام دون الدعاء وعن أبي عمرو لا أعرف من القنوت إلا طول القيام وبه فسر قوله تعالى: {أمن هو قانت آناء الليل} وعن الفتاوى الصغرى القنوت في الوتر هو الدعاء دون القيام ا هـ. وينبغي تصحيحه ومن لا يحسن القنوت بالعربية أو لا يحفظه ففيه ثلاثة أقوال مختارة قيل يقول يا رب ثلاث مرات ثم يركع وقيل يقول اللهم اغفر لي ثلاث مرات وقيل اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار والظاهر أن الاختلاف في الأفضلية لا في الجواز وأن الأخير أفضل لشموله وأن التقييد بمن لا يحسن العربية ليس بشرط بل يجوز لمن يعرف الدعاء المعروف أن يقتصر على واحد مما ذكر لما علمت أن ظاهر الرواية عدم توقيته وأما حكمه إذا فات محله فنقول إذا نسي القنوت حتى ركع ثم تذكر فإن كان بعد رفع الرأس من الركوع لا يعود وسقط عنه القنوت وإن تذكره في الركوع فكذلك في ظاهر الرواية كما في البدائع وصححه في الخانية وعن أبي يوسف أنه يعود إلى القنوت لشبهه بالقرآن كما لو ترك الفاتحة أو السورة فتذكرها في الركوع أو بعد رفع الرأس منه فإنه يعود وينتقض ركوعه والفرق على ظاهر الرواية أن نقض الركوع في المقيس عليه لا كماله لأنه يتكامل بقراءة الفاتحة والسورة لكونه لا يعتبر بدون القراءة أصلا وفي المقيس ليس نقضه لا كماله لأنه لا قنوت في سائر الصلوات والركوع معتبر بدونه فلو نقض لكان نقض الفرض للواجب كذا في البدائع فإن عاد إلى القيام وقنت ولم يعد الركوع لم تفسد صلاته لأن ركوعه قائم لم يرتفض بخلاف المقيس عليه لأن بعوده صارت قراءة الكل فرضا والترتيب بين القراءة والركوع فرض فارتفض ركوعه فلو لم يركع بطلت فلو ركع وأدركه رجل في الركوع الثاني كان مدركا لتلك الركعة وإنما لم يشرع القنوت في الركوع مثل تكبيرات العيد إذا تذكرها في حال الركوع حيث يكبر فيه لأنه لم يشرع إلا في محض القيام غير معقول المعنى فلا يتعدى إلى ما هو قيام من وجه دون وجه وهو الركوع وأما تكبيرات العيد فلم تختص بمحض القيام لأن تكبيرة الركوع يؤتى بها في حال الانحطاط وهي محسوبة من تكبيرات العيد بإجماع الصحابة فإذا جاز أداء واحدة منها في غير محض القيام من غير عذر جاز أداء الباقي مع قيام العذر بالأولى ولم يقيد المصنف القنوت بالمخافتة للاختلاف فيه قال في الذخيرة استحسنوا الجهر في بلاد العجم للإمام ليتعلموا كما جهر عمر رضي الله عنه بالثناء حين قدم عليه وفد العراق ونص في الهداية على أن المختار المخافتة وفي المحيط على أنه الأصح وفي البدائع واختار مشايخنا بما وراء النهر الإخفاء في دعاء القنوت في حق الإمام والقوم جميعا لقوله تعالى: {ادعوا ربكم تضرعا وخفية} وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «خير الدعاء الخفي» وهو مروي في صحيح ابن حبان وفصل بعضهم بين أن يكون القوم لا يعلمونه فالأفضل للأم الجهر ليتعلموا وإلا فالإخفاء أفضل كما في الذخيرة ومن اختار الجهر به أن يكون دون جهر القراءة كما في منية المصلي. (قوله: وقرأ في كل ركعة منه فاتحة الكتاب وسورة) بيان لمخالفته للفرائض فيقرأ في كل ركعة منه حتما ونقل في الهداية أنه بالإجماع وفي التجنيس لو ترك القراءة في الركعة الثالثة منه لم يجز في قولهم جميعا ا هـ. أما عندهما فلأنه نفل وفي النفل تجب القراءة في الكل وكذا على قول أبي حنيفة لأن الوتر عنده واجب يحتمل أنه نفل ولكن يترجح جهة الفرضية بدليل فيه شبهة فكان الاحتياط فيه وجوب القراءة في الكل وقد قدمنا من فعله صلى الله عليه وسلم: «أنه كان يقرأ في الركعة الأولى {سبح اسم ربك الأعلى} وفي الثانية {قل يا أيها الكافرون} وفي الثالثة {قل هو الله أحد}» فالحاصل أن قراءة آية في كل ركعة منه فرض وتعيين الفاتحة مع قراءة ثلاث آيات في كل ركعة واجب والسور الثلاث فيه سنة لكن ذكر في النهاية أنه لا ينبغي أن يقرأ سورة متعينة على الدوام لأن الفرض هو مطلق القراءة بقوله تعالى: {فاقرءوا ما تيسر من القرآن} والتعيين على الدوام يفضي إلى أن يعتقد بعض الناس أنه واجب وأنه لا يجوز غيره لكن لو قرأ بما ورد به الآثار أحيانا يكون حسنا ولكن لا يواظب لما ذكرنا ا هـ. وقد يقال أنهم رجحوا جهة النفلية فيه احتياطا في القراءة فينبغي أن لا يقضي في الوقت المكروه كما بعد طلوع الفجر وبعد صلاة العصر احتياطا لجهة النفلية لأن النفل فيه ممنوع وقد قدمنا عن التجنيس خلافه وفيه: والوتر بمنزلة النفل في حق القراءة إلا أنه يشبه المغرب من حيث إنه لو استتم قائما في الثالثة قبل القعود ثم تذكر لا يعود لأنها صلاة واحدة وفي النفل يعود لأن كل شفع صلاة على حدة ا هـ. وفي المجتبى ولا تجب القعدة الأولى في الوتر وفي الامتحان صلى الوتر ولم يقعد في الثانية ناسيا ثم تذكر في الركوع لا يعود وإن عاد لا ينتقض ركوعه ا هـ ولا يخفى ما فيه لأن القعدة الأولى واجبة في الفرض والنفل والوتر ذو شبه لهما فوجبت القعدة الأولى فيه وقد تقدم أنه يرفع يديه عند تكبيرة القنوت كما يرفعهما عند الافتتاح وفي النهاية معزيا إلى محمد بن الحنفية قال الدعاء أربعة دعاء رغبة ودعاء رهبة ودعاء تضرع ودعاء خفية ففي دعاء الرغبة يجعل بطون كفيه نحو السماء وفي دعاء الرهبة يجعل ظهر كفيه إلى وجهه كالمستغيث من الشيء وفي دعاء التضرع يعقد الخنصر والبنصر ويحلق بالإبهام والوسطى ويشير بالسبابة ودعاء الخفية ما يفعله المرء في نفسه ولم يذكر المصنف الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت للاختلاف فيها واختار الفقيه أبو الليث أن الأولى الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم لأن القنوت دعاء والأولى في الدعاء أن يكون مشتملا عليها وذهب أبو القاسم الصفار إلى أنه لا يصلي فيه لأنه ليس موضعها ومشى عليه في الخلاصة والحق هو الأول لما رواه النسائي بإسناد حسن أن في حديث القنوت وصلى الله على محمد ولما رواه الطبراني عن علي كل دعاء محجوب حتى يصلى على محمد وفي الواقعات ويستحب في كل دعاء أن تكون فيه الصلاة على النبي اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ا هـ. وهو يقتضي أنه يصلي عليه في القنوت بهذه الصيغة وهو الأولى ومن الغريب ما في المجتبى لو صلى على النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت لا يصلي في القعدة الأخيرة وكذا لو صلى عليه في القعدة الأولى سهوا لا يصلي عليه في القعدة الأخيرة ولا يصلي في القنوت ا هـ. (قوله: ولا يقنت في غيره) أي في غير الوتر لما رواه الإمام أبو حنيفة عن ابن مسعود رضي الله عنه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقنت في الفجر قط إلا شهرا واحدا لم ير قبل ذلك ولا بعده وإنما قنت في ذلك الشهر يدعو على أناس من المشركين» وكذا في الصحيحين: «أنه عليه الصلاة والسلام قنت شهرا يدعو على قوم من العرب ثم تركه» وقد أطال المحقق ابن الهمام هنا في الكلام مع الشافعي كما هو دأبه ولسنا بصدده وفي شرح النقاية معزيا إلى الغاية وإن نزل بالمسلمين نازلة قنت الإمام في صلاة الجهر وهو قول الثوري وأحمد وقال جمهور أهل الحديث القنوت عند النوازل مشروع في الصلوات كلها ا هـ. (قوله: ويتبع المؤتم قانت الوتر) وقال محمد لا يأتي به المأموم بل يؤمن لأن للقنوت شبهة القرآن لاختلاف الصحابة في قوله اللهم إنا نستعينك أنه من القرآن أو لا فأورث شبهة وهو لا يقرأ حقيقة القرآن فكذا ما له شبهة والمختار ما في الكتاب كما في المحيط وغيره وصححوه لأنه دعاء حقيقة كسائر الأدعية والثناء والتشهد والتسبيحات وظاهر الرواية أنه لا يكره قراءته للجنب لأنه ليس بقرآن وعليه الفتوى كما في الولوالجية. (قوله: لا الفجر) أي لا يتبع المؤتم الإمام القانت في صلاة الفجر وهذا عند أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف يتابعه لأنه تبع للإمام والقنوت مجتهد فيه ولهما أنه منسوخ فصار كما لو كبر خمسا في الجنازة حيث لا يتابعه في الخامسة وإذا لم يتابعه فيه فقيل يقعد تحقيقا للمخالفة لأن الساكت شريك الداعي بدليل مشاركة الإمام في القراءة وإذا قعد فقدت المشاركة ولا يقال كيف يقعد تحقيقا للمخالفة وهي مفسدة للصلاة لأن المخالفة فيما هو من الأركان والشرائط مفسدة لا في غيرها قال في الهداية والأظهر وقوفه ساكتا وصححه قاضي خان وغيره لأن فعل الإمام يشتمل على مشروع وغيره فما كان مشروعا يتبعه فيه وما كان غير مشروع لا يتبعه كذا في العناية وقد يقال إن طول القيام بعد رفع الرأس من الركوع ليس بمشروع فلا يتابعه فيه قال في الهداية ودلت المسألة على جواز الاقتداء بالشفعوية وإذا علم المقتدي منه ما يزعم به فساد صلاته كالفصد وغيره لا يجزئه ا هـ. ووجه دلالتها أنه لو لم يصح الاقتداء به لم يصح اختلاف علمائنا في أنه يسكت أو يتابعه ووقع في بعض نسخها بالشافعية وهو الصواب لما عرف من وجوب حذف ياء النسب إذا نسب إلى ما هي فيه ووضع الياء الثانية مكانها حتى تتحد الصورة قبل النسبة الثانية وبعدها والتمييز حينئذ من خارج فالياء المشددة فيه ياء النسبة لا آخر الكلمة ككرسي وذكر في النهاية بنو شافع من بني المطلب ابن عبد مناف منهم الإمام الشافعي الفقيه رحمه الله ومن قال في نسبته الشفعوي فهو عامي وحقه أن يقال بالشافعي المذهب فحاصله أن صاحب الهداية جوز الاقتداء بالشافعي بشرط أن لا يعلم المقتدي منه ما يمنع صحة صلاته في رأي المقتدي كالفصد ونحوه وعدد مواضع عدم صحة الاقتداء به في العناية وغاية البيان بقوله كما إذا لم يتوضأ من الفصد والخارج من غير السبيلين وكما إذا كان شاكا في إيمانه بقوله أنا مؤمن إن شاء الله أو متوضئا من القلتين أو يرفع يديه عند الركوع وعند رفع الرأس من الركوع أو لم يغسل ثوبه من المني ولم يفركه أو انحرف عن القبلة إلى اليسار أو صلى الوتر بتسليمتين أو اقتصر على ركعة أو لم يوتر أصلا أو قهقه في الصلاة ولم يتوضأ أو صلى فرض الوقت مرة ثم أم القوم فيه زاد في النهاية وأن لا يراعي الترتيب في الفوائت وأن لا يمسح ربع رأسه وزاد قاضي خان وأن يكون متعصبا والكل ظاهر ما عدا خمسة أشياء الأول مسألة التوضؤ من القلتين فإنه صحيح عندنا إذا لم يقع في الماء نجاسة ولم يختلط بمستعمل مساو له أو أكثر فلا بد أن يقيد قولهم بالقلتين المتنجس ماؤهما أو المستعمل بالشرط المذكور لا مطلقا الثاني مسألة رفع اليدين من وجهين الأول أن الفساد برفع اليدين عند الركوع وعند رفع الرأس منه رواية شاذة رواها مكحول النسفي عن أبي حنيفة وليست بصحيحة رواية ودراية لأن المختار في العمل الكثير المفسد لها ما لو رآه شخص من بعيد ظنه ليس في الصلاة لا ما يقام باليدين ولأن وضع هذه المسألة يدل على جواز الاقتداء بالشافعي وبقائه إلى وقت القنوت حتى اختلفوا هل يتابعه فيه أو لا كما في الهداية مع وجود رفع اليدين في الركعات الثلاث الثاني أن الفساد عند الركوع لا يقتضي عدم صحة الاقتداء من الابتداء مع أن عروض البطلان غير مقطوع به حتى يجعل كالمتحقق عند الشروع لأن الرفع جائز الترك عندهم لسنيته الثالث مسألة الانحراف عن القبلة إلى اليسار لأن الانحراف المانع عندنا أن يجاوز المشارق إلى المغارب كما نقله في فتح القدير في استقبال القبلة والشافعية لا ينحرفون هذا الانحراف الرابع مسألة التعصب وهو تعصب لأن التعصب على تقدير وجوده منهم إنما يوجب الفسق لا الكفر والفسق لا يمنع صحة الاقتداء والظاهر من الشارطين لعدمه أنه يوجب الكفر لكونه في الدين وهو بعيد كما لا يخفى الخامس مسألة الاستثناء في الإيمان فاعلم أن عبارتهم قد اختلفت في هذه المسألة فذهب طائفة من الحنفية إلى تكفير من قال أنا مؤمن إن شاء الله ولم يقيدوه بأن يكون شاكا في إيمانه ومنهم الأتقاني في غاية البيان وصرح في روضة العلماء بأن قوله إن شاء الله يرفع إيمانه فيبقى بلا إيمان فلا يجوز الاقتداء به وذكر في الفتاوى الظهيرية من المواعظ أن معاذ بن جبل سئل عمن يستثنى في الإيمان فقال: إن الله تبارك وتعالى ذكر في كتابه ثلاثة أصناف قال تعالى في موضع {أولئك هم المؤمنون حقا} وقال في موضع آخر {أولئك هم الكافرون حقا} وقال في موضع آخر {مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء} فمن قال بالاستثناء في الإيمان فهو من جملة المذبذبين ا هـ. وفي الخلاصة والبزازية من كتاب النكاح عن الإمام أبي بكر محمد بن الفضل من قال أنا مؤمن إن شاء الله فهو كافر لا تجوز المناكحة معه قال الشيخ أبو حفص في فوائده لا ينبغي للحنفي أن يزوج بنته من رجل شفعوي المذهب وهكذا قال بعض مشايخنا ولكن يتزوج بنتهم زاد في البزازية تنزيلا لهم منزلة أهل الكتاب ا هـ. وذهب طائفة إلى تكفير من شك منهم في إيمانه بقوله أنا مؤمن إن شاء الله على وجه الشك لا مطلقا وهو الحق لأنه لا مسلم يشك في إيمانه وقول الطائفة الأولى أنه يكفر غلط لأنه لا خلاف بين العلماء في أنه لا يقال أنا مؤمن إن شاء الله للشك في ثبوته للحال بل ثبوته في الحال مجزوم به كما نقله المحقق ابن الهمام في المسايرة وإنما محل الاختلاف في جوازه لقصد إيمان الموافاة فذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى منعه وعليه الأكثرون وأجاز كثير من العلماء منهم الشافعي وأصحابه لأن بقاءه إلى الوفاة عليه وهو المسمى بإيمان الموافاة غير معلوم ولما كان ذلك هو المعتبر في النجاة كان هو الملحوظ عند المتكلم في ربطه بالمشيئة وهو أمر مستقبل فالاستثناء فيه اتباع لقوله تعالى: {ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله} وقال أئمة الحنفية لما كان ظاهر التركيب الإخبار بقيام الإيمان به في الحال مع اقتران كلمة الاستثناء به كان تركه أبعد عن التهمة فكان تركه واجبا وأما من علم قصده فربما تعتاد النفس التردد لكثرة إشعارها بترددها في ثبوت الإيمان واستمراره وهذه مفسدة إذ قد يجر إلى وجوده آخر الحياة الاعتياد خصوصا والشيطان منقطع مجرد نفسه لسبيل لا شغل له سواك فيجب ترك المؤدي إلى هذه المفسدة ا هـ. فالحاصل أنه لا فائدة في هذا الشرط وهو قول الطائفة الثانية أن لا يكون شاكا في إيمانه إذ لا مسلم يشك فيه وأما التكفير بمطلق الاستثناء فقد علمت غلطه وأقبح من ذلك من منع مناكحتهم وليس هو إلا محض تعصب نعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا خصوصا قد نقل الإمام السبكي في رسالة ألفها في هذه المسألة أن القول بدخول الاستثناء في الإيمان هو قول أكثر السلف من الصحابة والتابعين ومن بعدهم والشافعية والمالكية والحنابلة ومن المتكلمين الأشعرية والكلابية قال وهو قول سفيان الثوري ا هـ. فالقول بتكفير هؤلاء من أقبح الأشياء ثم اعلم أنه قد صرح في النهاية والعناية وغيرهما بكراهة الاقتداء بالشافعي إذا لم يعلم حاله حتى صرح في النهاية بأنه إذا علم منه مرة عدم الوضوء من الحجامة ثم غاب عنه ثم رآه يصلي فالصحيح جواز الاقتداء به مع الكراهة فصار الحاصل أن الاقتداء بالشافعي على ثلاثة أقسام الأول أن يعلم منه الاحتياط في مذهب الحنفي فلا كراهة في الاقتداء به الثاني أن يعلم منه عدمه فلا صحة لكن اختلفوا هل يشترط أن يعلم منه عدمه في خصوص ما يقتدي به أو في الجملة صحح في النهاية الأول وغيره اختار الثاني وفي فتاوى الزاهدي إذا رآه احتجم ثم غاب فالأصح أنه يصح الاقتداء به لأنه يجوز أن يتوضأ احتياطا وحسن الظن به أولى الثالث أن لا يعلم شيئا فالكراهة ولا خصوصية لمذهب الشافعي بل إذا صلى حنفي خلف مخالف لمذهبه فالحكم كذلك وظاهر الهداية أن الاعتبار لاعتقاد المقتدي ولا اعتبار لاعتقاد الإمام حتى لو شاهد الحنفي إمامه الشافعي مس امرأة ولم يتوضأ ثم اقتدى به فإن أكثر مشايخنا قالوا يجوز وهو الأصح كما في فتح القدير وغيره وقال الهندواني وجماعة لا يجوز و رجحه في النهاية بأنه يصل لما أن زعم الإمام أن صلاته ليست بصلاة فكان الاقتداء حينئذ بناء الموجود على المعدوم في زعم الإمام وهو الأصل فلا يصح الاقتداء ا هـ. ورد بأن المقتدي يرى جوازها والمعتبر في حقه رأي نفسه لا غيره وأيضا ينبغي حمل حال الإمام على التقليد لأبي حنيفة حملا لحال المسلم على الصلاح ما أمكن فيتحد اعتقادهما وإلا لزم منه تعمد الدخول في الصلاة بغير طهارة على اعتقاده وهو حرام إلا أن تفرض المسألة أن المأمور علم به والإمام لم يعلم بذلك كما ذكره الشارح فيقتصر على الجواب الأول. (قوله: والسنة قبل الفجر وبعد الظهر والمغرب والعشاء ركعتان وقبل الظهر والجمعة وبعدها أربع) شرع في بيان النوافل بعد ذكر الواجب فذكر أنها نوعان سنة ومندوب فالأول في كل يوم ما عدا الجمعة ثنتا عشرة ركعة وفي يوم الجمعة أربع عشرة ركعة والأصل فيه ما رواه الترمذي وغيره عن عائشة رضي الله عنها قالت: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثابر على ثنتي عشرة ركعة من السنة بنى الله له بيتا في الجنة» وذكرها كما في الكتاب وروى مسلم أنه عليه الصلاة والسلام كان يصليها وبدأ المصنف بسنة الفجر لأنها أقوى السنن باتفاق الروايات لما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: «لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم على شيء من النوافل أشد تعاهدا منه على ركعتي الفجر» وفي لفظ لمسلم: «ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها» وفي أوسط الطبراني عنها أيضا {لم أره ترك الركعتين قبل صلاة الفجر في سفر ولا حضر ولا صحة ولا سقم» وقد ذكروا ما يدل على وجوبها قال في الخلاصة أجمعوا أن ركعتي الفجر قاعدا من غير عذر لا يجوز كذا روى الحسن عن أبي حنيفة ا هـ. وفي النهاية قال مشايخنا العالم إذا صار مرجعا في الفتاوى يجوز له ترك سائر السنن لحاجة الناس إلى فتواه إلا سنة الفجر ا هـ. وفي المضمرات معزيا إلى العتابي من أنكر سنة الفجر يخشى عليه الكفر وفي الخلاصة الظاهر من الجواب أن السنة لا تقضى إلا سنة الفجر ومما يدل على وجوبها ما في سنن أبي داود عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تدعوا ركعتي الفجر ولو طردتكم الخيل» فقد وجدت المواظبة عليها بما قدمناه والنهي عن تركها لكن المنقول في أكثر الكتب أنها سنة مؤكدة وإن قلنا إنها بمعنى الواجب هنا لم يصح لأنها تتأدى بمطلق النية قال في التجنيس رجل صلى ركعتين تطوعا وهو يظن أن الفجر لم يطلع فإذا الفجر طالع يجزئه عن ركعتي الفجر هو الصحيح لأن السنة تطوع فتتأدى بنية التطوع ا هـ. لكن في الخلاصة الأصح أنها لا تنوب وهو يدل على الوجوب وفيها أيضا عن متفرقات شمس الأئمة الحلواني رجل صلى أربع ركعات في الليل فتبين أن الركعتين الآخرتين بعد طلوع الفجر تحتسب عن ركعتي الفجر عندهما وإحدى الروايتين عن أبي حنيفة قال وبه يفتى ا هـ. ورده في التجنيس بأن الأصح أنها لا تنوب عن ركعتي الفجر كما إذا صلى الظهر ستا وقد قعد على رأس الرابعة فإنه لا تنوب الركعتان عن ركعتي السنة في الصحيح من الجواب كذا هذا وهذا لأن السنة ما واظب النبي صلى الله عليه وسلم عليها ومواظبته عليه السلام كانت بتحريمة مبتدأة وفي الخلاصة والسنة في ركعتي الفجر ثلاث أحدها أن يقرأ في الركعة الأولى {قل يا أيها الكافرون} وفي الثانية الإخلاص والثانية أن يأتي بهما أول الوقت والثالثة أن يأتي بهما في بيته وإلا فعلى باب المسجد وإلا ففي المسجد الشتوي إن كان الإمام في الصيفي أو عكسه إن كان يرجو إدراكه وإن كان المسجد واحدا يأتي بهما في ناحية من المسجد ولا يصليهما مخالطا للصف مخالفا للجماعة فإن فعل ذلك يكره أشد الكراهة ولا يطول القراءة فيهما ولو تذكر في الفجر أنه لم يصل ركعتي الفجر لم يقطع ا هـ وذكر الولوالجي إمام يصلي الفجر في المسجد الداخل فجاء رجل يصلي الفجر في المسجد الخارج اختلف المشايخ فيه قال بعضهم يكره وقال بعضهم لا يكره لأن ذلك كله كمكان واحد بدليل جواز الاقتداء لمن كان في المسجد الخارج بمن كان في المسجد الداخل وإذا اختلف المشايخ فالاحتياط أن لا يفعل ا هـ. وفي القنية إذا لم يسع وقت الفجر إلا الوتر والفجر أو السنة والفجر فإنه يوتر ويترك السنة عند أبي حنيفة وعندهما السنة أولى من الوتر ا هـ. وفي المحيط ولو صلى ركعتي الفجر مرتين بعد الطلوع فالسنة آخرهما لأنه أقرب إلى المكتوبة ولم يتخلل بينهما صلاة والسنة ما تؤدى متصلا بالمكتوبة ا هـ. وفي القنية واختلف في آكد السنن بعد سنة الفجر فقيل الأربع قبل الظهر والركعتان بعده والركعتان بعد المغرب كلها سواء والأصح أن الأربع قبل الظهر آكد ا هـ. وهكذا صححه في العناية والنهاية لأن فيها وعيدا معروفا قال عليه الصلاة والسلام: «من ترك أربعا قبل الظهر لم تنله شفاعتي» وفي التجنيس والنوازل والمحيط رجل ترك سنن الصلوات الخمس إن لم ير السنن حقا فقد كفر لأنه ترك استخفافا وإن رأى حقا منهم من قال لا يأثم والصحيح أنه يأثم لأنه جاء الوعيد بالترك ا هـ. وتعقبه في فتح القدير بأن الإثم منوط بترك الواجب وقد {قال صلى الله عليه وسلم للذي قال والذي بعثك بالحق لا أزيد على ذلك شيئا أفلح إن صدق» ا هـ. ويجاب عنه بأن السنة المؤكدة بمنزلة الواجب في الإثم بالترك كما صرحوا به كثيرا وصرح به في المحيط هنا وأنه لا يجوز ترك السنن المؤكدة ولو صلى وحده وهو أحوط ا هـ وبأن حديث الأعرابي كان متقدما وقد شرع بعده أشياء كالوتر فجاز أن تكون السنن المؤكدة كذلك لما قدمنا أنه لم يذكر له صدقة الفطر وقد اتفقوا على أنه يأثم بتركها وفي النهاية وذكر الحلواني أنه لا بأس بأن يقرأ بين الفريضة والسنة الأوراد وفي شرح الشهيد القيام إلى السنة متصلا بالفرض مسنون وفي الشافي كان عليه الصلاة والسلام: «إذا سلم يمكث قدر ما يقول اللهم أنت السلام ومنك السلام وإليك يعود السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام» وكذلك عن البقالي ولم يمر بي لو تكلم بعد الفريضة هل تسقط السنة قيل تسقط وقيل لا تسقط ولكن ثوابه أنقص من ثوابه قبل التكلم ا هـ. وفي القنية الكلام بعد الفرض لا يسقط السنة ولكن ينقص ثوابه وكل عمل ينافي التحريمة أيضا وهو الأصح ا هـ. وفي الخلاصة لو صلى ركعتي الفجر أو الأربع قبل الظهر واشتغل بالبيع والشراء أو الأكل فإنه يعيد السنة أما بأكل لقمة أو شربة لا تبطل السنة ا هـ. وفي المجتبى وفي الأربع قبل الظهر والجمعة وبعدها لا يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في القعدة الأولى ولا يستفتح إذا قام إلى الثالثة بخلاف سائر ذوات الأربع من النوافل ا هـ. وصحح في فتاواه أنه لا يأتي بهما في الكل لأنها صلاة واحدة ا هـ. ولا يخفى ما فيه فالظاهر الأول والدليل على استنان الأربع قبل الجمعة ما رواه مسلم مرفوعا: «من كان مصليا قبل الجمعة فليصل أربعا» مع ما رواه ابن ماجه عن ابن عباس قال {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يركع من قبل الجمعة أربعا لا يفصل في شيء منهن» وعلى استنان الأربع بعدها ما في صحيح مسلم عن أبي هريرة مرفوعا: «إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعا» وفي رواية: «إذا صليتم بعد الجمعة فصلوا أربعا» وذكر في البدائع أنه ظاهر الرواية وعن أبي يوسف أنه ينبغي أن يصلي أربعا ثم ركعتين وذكر محمد في كتاب الاعتكاف أن المعتكف يمكث في المسجد الجامع مقدار ما يصلي أربعا أو ستا ا هـ. وفي الذخيرة والتجنيس وكثير من مشايخنا على قول أبي يوسف وفي منية المصلي والأفضل عندنا أن يصلي أربعا ثم ركعتين وفي القنية صلى الفريضة وجاء الطعام فإن ذهب حلاوة الطعام أو بعضها يتناول ثم يأتي بالسنة وإن خاف الوقت يأتي بالسنة ثم يتناول الطعام ولو نذر بالسنن وأتى بالمنذور به فهو السنة وقال تاج الدين أبو صاحب المحيط لا يكون آتيا بالسنة لأنه لما التزمها صارت أخرى فلا تنوب مناب السنة ولو أخر السنة بعد الفرض ثم أداها في آخر الوقت لا تكون سنة وقيل تكون سنة ا هـ. والأفضل في السنن أداؤها في المنزل إلا التراويح وقيل إن الفضيلة لا تختص بوجه دون وجه وهو الأصح لكن كل ما كان أبعد من الرياء وأجمع للخشوع والإخلاص فهو أفضل كذا في النهاية وفي الخلاصة في سنة المغرب إن خاف لو رجع إلى بيته شغله شأن آخر يأتي بها في المسجد وإن كان لا يخاف صلاها في المنزل وكذا في سائر السنن حتى الجمعة والوتر في البيت أفضل ا هـ.
|